السبت، 4 أغسطس 2012

رمضان شهر الإنتصارات " رسالة الدكتور محمد بديع "

رمضان شهر الإنتصارات
" رسالة الدكتور محمد بديع "
المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين
03/08/2012 00:00 ص

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد..
روح جديدة للأمة
لقد توالت على الأمة الإسلامية الانتصارات الكبرى في شهر رمضان، ليس لبركة هذا الشهر التي تنتشر في جنبات الأمة بكل أطيافها وألوانها وأوطانها فحسب، بل لما يبعثه هذا الشهر من روح جديدة ووثابة تتطلع دائمًا لنهضة الأمة وعلو شأنها ورفعة شعوبها، بل أيضًا بما تقدمه للبشرية جمعاء من العزة والكرامة والحرية والحياة الكريمة في حاضرها ومستقبلها.
فمنذ يوم الفرقان وإلى اليوم، قد فتح شهر رمضان على الأمة عهدًا من الانتصارات، تؤكد في كل مرة بأن للأمة كيانًا يعتز به كل أبنائها يكون مغروسًا فيهم، وأن للأمة قوة تنطلق من دولتها الأولى التي أقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، والتي انطلقت في أرجاء الأرض بعد ذلك، وأن للأمة شعوبًا تشعر بشوكتها وهيبتها لأنها مؤيدة بعون الله ورعايته وإن قل العدد والعدة والعتاد؛ لأن عزتها تستمدها من ربها صاحب العزة جميعًا، وقد وهبها لرسوله وللمؤمنين.
أما كل صور القوة المادية فهي أخذ بالأسباب على أكمل وجه (وأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ومِن رِّبَاطِ الخَيْلِ) (الأنفال: 60) ثم توكل على رب الأسباب؛ لذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "نُصرت بالرعب مسيرة شهر".
شهر فتوحات وانتصارات
فمنذ اليوم الأول من انتصارات شهر رمضان فى يوم بدر، وقد تهاوت ممارسات الديكتاتورية وظلمات الاستبداد وسياسات القمع والتعذيب والإيذاء والظلم، لتعلن سقوط الصناديد، وزوال الفراعنة، واختفاء الأنظمة البائدة؛ لأن المسلمين باتوا راكعين ساجدين وهم يؤدون لأول مرة فى حياتهم فريضة الصيام، التي لم يعهدوها من قبل، يقول تعالى: (ولَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (آل عمران: 123).
وقد شاء الله تعالى أن يتوافق الصيام مع القتال، لينتصر المسلمون ويلحقوا بأعدائهم هزيمة نكراء تتحدث عنها الدنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، حيث ضرب فيها المسلمون أروع الأمثلة في الصبر والثبات والاستسلام لأمر الله تعالى، يقول تعالى: (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِى فِئَتَيْنِ التَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْى العَيْنِ واللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إنَّ فِى ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِى الأَبْصَارِ) [آل عمران: 13]..
فشهر رمضان لم يشرعه الله عز وجل للقعود والتخلف عن ركب الجهاد والحركة والدعوة إلى الله، ولم يشرعه كذلك للتحجج به عن التفلت من الالتزامات الوظيفية أو الاجتماعية، بل إنه شهر نشاط وحركة، وفتوحات وانتصارات، فغالبية الهزائم التي لحقت بأعداء الأمة كانت في شهر رمضان، أليس هذا بكافٍ لأن ينفض عنا غبار الكسل والدعة والخمول، وأن ندفع عجلة الحياة بكل ما أوتينا من قوة وعزم.
دروس وعبر من شهر الانتصارات
إن انتصارات شهر رمضان، لم تكن في حقيقتها إلا دروسًا وعبرًا للشعوب المسلمة، بما رفعته من روحها المعنوية، وإعلاءً لقدرتها على العطاء والبذل والتغيير للأفضل، وإنشاء واقع جديد في بناء الدولة الإسلامية الحديثة، وصناعة جيل من اللبنات الثابتة المنتصرة على أهوائها والقادرة على الذود عن الأمة ونيل حريتها واستعادة أمجادها، وكذلك لم تكن الانتصارات في شهر رمضان، على المستوى العام إلا عونًا للإنسانية بما غيرته من تاريخها، وعالجت من أحوالها، وساهمت في تقدمها.
وفي آخر انتصارات الأمة في حرب العاشر من رمضان؛ يأتي (شهر رمضان) بنفحاته التي هبت نسماتها على الشعب المصري من الجنود والصائمين والمصلين ومن زملائهم وإخوانهم المسيحيين الذين شاركوهم التضحية للدفاع عن الحق والحرية وأرض الوطن بل شاركوهم الصيام مراعاة لشعورهم، مما كان له أثره في تحقيق النصر، وبما قدمته من شحنات إيمانية كانت دفعًا للبذل والفداء.. إنها روح الإيمان؛ بأن الله ينصر من ينصره، وبأن الحق لا بد أن ينتصر، والباطل لا بد أن يزهق، يقول تعالى: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) (الإسراء: 81).
وهكذا ليس أمام أمتنا اليوم إذا أردنا نصرًا لشعوبنا الثائرة، واستقرارًا لأوطاننا المستهدفة، ووقفًا للمذابح الدموية اللا إنسانية لإخواننا في فلسطين وسوريا وبورما، وإنقاذًا للمسجد الأقصى من محاولات هدم الصهاينة له وتهويد القدس، إلا أن نجتمع على الله، وأن نتحرك باسم الله، وأن نمضى بعون من الله، وأن نتوكل على الله، يقول تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق: 3)، ويقول تعالى: (وَمَن يَعْتَصِم بِاللهِ فَقَدْ هُدِى إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (آل عمران: 101)؛ لذا قالوا بحق "من كان الله معه فمن عليه؟!".
هل ما زال رمضان شهر الانتصارات؟
إن هذا الشهر هو شهر العزة والنصر ينتصر فيه المؤمنون الصائمون على أنفسهم فينتصرون على أعدائهم، وقد كانت الأمة الإسلامية عبر تاريخها الطويل على موعد مع القدر في هذا الشهر الكريم فوقعت فيه أهم أحداث هذا التاريخ، ففي رمضان كان الفتح العظيم فتح مكة، حيث دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وقف على باب الكعبة، وهو يقول: "لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده".
إن هذا الشهر هو شهر التقوى والمغفرة، وإذا اجتمعت العزيمة والاحتساب يكون النصر من عند الله، وتقوى الله هي أساس نزول النصر على المسلمين، والله سبحانه وتعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 183).
إن هذا الشهر هو شهر مجاهدة النفس ومقاومة الشهوات، وإن مقاومة النفس أعظم الميادين لتدريب المجاهد على مقاومة الأعداء، فالإنسان إذا قدر على نفسه فهو على غيرها أقدر، ومن هنا انطلق الشباب الأبطال في الانتصارات الرمضانية، فكان العبور الأول لفتح الأندلس على يد طارق بن زياد، وفتح بلاد السند على يد محمد الفاتح، وفتح عمورية تحقيقًا لنداء: وامعتصماه، وصد فساد التتار في عين جالوت امتثالاً للنداء: واإسلاماه، والانتصار المبين في حطين على يد صلاح الدين الأيوبي.
إن هذا الشهر هو شهر الله، حينما يتجرد المسلمون من حولهم وقوتهم ويكلون أمرهم كله إلى الله، كيوم بدر بعد الأخذ بكل الأسباب التكتيكية والعسكرية والمعنوية، فاستجاب لهم وأمدهم بالملائكة يقاتلون معهم، يقول الله تعالى: (إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * ومَا جَعَلَهُ اللَّهُ إلا بُشْرَى ولِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ومَا النَّصْرُ إلا مِنْ عِندِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال: 9، 10).
إن هذا الشهر هو شهر الإعداد والتهيئة، فبعد أن وضع المسلمون في كل معركة إستراتيجية للقتال، واستوفوا أسباب النصر المادية والمعنوية، توفر لديهم العزم والقوة، امتثالًا لقوله تعالى: (وأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ومِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وعَدُوَّكُمْ وآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ومَا تُنفِقُوا مِن شَىْءٍ فِى سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إلَيْكُمْ وأَنتُمْ لا تُظْلَمُونَ) (الأنفال: ٦٠).
وأخيرًا..
لا يأتي شهر رمضان على الأمة إلاَّ ونتذكر هذه الانتصارات، ونتذكر هذه المعاني، ونتذكر واجباتنا من الالتزام بالتقوى والانتصار على النفس ووحدة الصف والتوجه لله وحده والعمل والجهاد والإعداد والتهيئة، لننعم بانتصارات شهر رمضان التي لا تنقطع إلى يوم الدين، وأملًا في نصر أمتنا القريب، وذلك يوم فوزنا ونصرنا، يقول تعالى (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم :4-6).
والله أكبر ولله الحمد

أخيرًا: السلطة للمدنيين " فهمى هويدى "

أخيرًا: السلطة للمدنيين
" فهمى هويدى "
نشر فى : السبت 4 أغسطس 2012 - 10:00 ص

 

لا يعيب الحكومة الجديدة فى مصر أن تكون غالبيتها من «الخبراء»، حتى أزعم بأنها أفضل «منتج» فى الظروف الراهنة. ذلك أنه فى أعقاب سقوط نظام مبارك الذى دمر مؤسسات البلد وقواه السياسية، ولم يسلم من هيمنته على المجتمع التى استمرت ثلاثين عاما سوى جهاز الإدارة، فقد أصبح ذلك الجهاز الأخير هو الوعاء الأكثر أمانا لتشكيل حكومة ما بعد الثورة. وإذا قال قائل بأن فى مصر ثوارا ووطنيين كان ينبغى أن يكون لهم حضورهم فى الحكومة الجديدة، فلن أختلف معه.

لكن هؤلاء وهؤلاء لم يتحولوا بعد إلى قوى سياسية قادرة على أن تفرض نفسها على جهة القرار. إن شئت فقل إنها قوى جنينية لاتزال فى مرحلة التشكيل. وقد أثبتت الانتخابات أن القوى الحقيقية، التى لها حضورها التنظيمى والفاعل على الأرض هم الإخوان المسلمون والسلفيون، والأولون غير جاهزين لإدارة البلد والآخرون غير مقبولين من قطاعات واسعة فى المجتمع المصرى. وليس خافيا على أحد مدى اللغط الذى أثير جراء تمثيلهم فى مجلس الشعب والجمعية التأسيسية لوضع الدستور. لذلك أزعم أنه كان من الحكمة، بل من ضرورات الحفاظ على وحدة الجماعة الوطنية، ان يكون رئيس الوزراء من غير الإخوان وأن تشكل الحكومة من 35 وزيرا جاء خمسة منهم فقط من الإخوان، وليس فيها تمثيل للسلفيين. وذلك موقف متوازن إلى حد كبير. لأن تقليص تمثيل الإسلاميين إلى ذلك الحد الأدنى، عزز فكرة تقديمها بحسبانها حكومة خبراء بالدرجة الأولى. وليست حكومة إخوان أو إسلاميين ــ ورغم الفتور الذى قوبلت به تشكيلة الحكومة من جانب الناشطين السياسيين ووسائل الإعلام، فإن الأصداء السلبية كان يمكن أن تتضاعف لو جاء التشكيل معبرا عن توازنات القوى التى أفرزتها الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والتى وصلت فيها حصة الإسلاميين إلى حوالى 75٪ من مقاعد مجلس الشعب. ولتجنب ذلك الشرخ أصبح التكنوقراط هم الحل. وكأن ذلك أصبح شعار رئيس الوزراء الجديد، الذى حل محل الشعار الشهير «الإسلام هو الحل».

خلو التركيبة الحكومية من ممثلى الهويات السياسية، والاكتفاء فى تمثيل أغلبية الإسلاميين بالحد الأدنى يعد من إيجابيات الخطوة التى تمت. ولأن الحكومة لم تعلن برنامجا ولم نر لها أداء، فليس لنا أن نتناولها إلا من حيث الشكل فقط. الأمر الذى يسوغ لنا أن نسجل ملاحظاتنا فى تلك الحدود، وفى مقدمتها ما يلى:

• إن أغلب الوزراء جاءوا من داخل الجهاز الحكومى وليس من خارجه. الأمر الذى من شأنه أن يحدث نوعا من الاستقرار داخل مختلف الوزارات.

• إن تثبيت المشير محمد حسين طنطاوى وزيرا للدفاع بدا كافيا فى طمأنة القوات المسلحة إلى استقرار أوضاعها، بعد اللغط الذى أثير فى وسائل الإعلام حول دورها وأنشطتها الاقتصادية.

• إن تثبيت وزير الخارجية السيد محمد كامل عمرو فى منصبه يعد إشارة إلى ثبات توجهات السياسة الخارجية، وهو أمر مفهوم فى ظل إعطاء الأولوية فى الوقت الراهن لمتطلبات السياسة الداخلية، التى هى الأصل وتعد توجهات السياسة الخارجية انعكاسا له.

• بالمثل فإن تثبيت الدكتور ممتاز السعيد فى منصبه وزيرا للمالية يعد قبولا باستمرار السياسة التى كانت متبعة فى ظل حكومة الدكتور كمال الجنزورى. التى نجحت فى تجنيب البلاد الوقوع فى أزمات كثيرة.

• فهمت أن استياء الإخوان من الحملة الإعلامية الشرسة التى تستهدفهم منذ فوزهم فى الانتخابات وراء حرصهم على حمل حقيبة وزارة الإعلام. وهو ما وضع زميلنا الأستاذ صلاح عبدالمقصود الذى شغل المنصب فى موقف حرج، لأنه ليس بوسعه أن يفعل شيئا إزاء تلك المشكلة التى تخرج عن نطاق اختصاصه.

الملاحظة المهمة فى هذا السياق أن المجلس العسكرى ظل بعيدا طول الوقت عن مساعى تشكيل الحكومة، حتى أزعم أن العملية كلها تمت بالتفاهم بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، ولم يكن حزب الأغلبية بعيدا عن ذلك، الأمر الذى يعد قرينة على أن عملية نقل السلطة إلى المدنيين دخلت طور التنفيذ.

تستطيع أن تقول إن ذلك يمثل النصف الملآن من الكوب، الأمر الذى يثير أسئلة عدة حول طبيعة النصف الآخر. وهو ما يدعونا إلى التريث وانتظار الأداء، خصوصا أننا بإزاء فريق لم يختبر بعد، ولا أكاد أجد مبررا وطنيا أو أخلاقيا يرجو له الفشل الذى تمناه له البعض فى تسرع غير محمود، لأننى أزعم أن نجاحه هو نجاح للثورة ولنا جميعا.

المصدر: جريدة الشروق 



 

 



الجمعة، 3 أغسطس 2012

قمع مسكوت عليه "فهمى هويدى"

قمع مسكوت عليه
"فهمى هويدى"
الخميس 2 أغسطس 2012

هذه رسالة موجعة تحرجت من نشرها، وعذبتنى فكرة حجبها، فهى تتحدث عن معاناة 239 معتقلا سياسيا فى المملكة السعودية. أما وجه الحرج فيتمثل فى أننى لا أعرف هوية هؤلاء الأشخاص أو حقيقة التهم الموجهة إليهم، أو طبيعة «الجهاد» الذى اشتركوا فيه أو فكروا فى دعمه، أما ما عذبنى فى الموضوع فهو أن الرسالة التى تضمنت أسماء المعتقلين الـ239 وأسماء أهاليهم الذين تولوا توجيهها (عددهم 511 من الأمهات والآباء والشقيقات والبنات والأبناء) شكت من الظلم الذى وقع على الجميع، وأرادت أن ترفع  عاليا صوت المظلومين علَّ أحدا يحس بأحزانهم ويفعل شيئا لأجل التضامن معهم أو إغاثتهم.

ليس عندى أى دفاع عن أفعال أولئك المعتقلين أو أفكارهم. ولكنى أدافع عن إنسانيتهم ومظلوميتهم، وذلك وحده ما دفعنى إلى نشر خلاصة للرسالة التى تلقيتها فى بريدى الإلكترونى، وقد اقتطفت منها الفقرات التالية التى تدخلت فى صياغتها لداعى الاختصار:

نحن نساء بلاد الحرمين، أمهات وزوجات وبنات المعتقلين فى السجون السياسية بالمملكة نوجه هذا الخطاب بعدما حل بنا ظلم عظيم وسدت أمامنا السبل وأغلقت فى وجهنا كل الأبواب، إذ تعرض أبناؤنا لاعتقالات تعسفية، لمجرد أن منهم من سخر نفسه للجهاد أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر، أو جمع صدقة لمحتاج وأسير.

فى البداية وقبل حوالى عشر سنوات، كان يقبض على الرجل الذى يجاهد فى الخارج، ثم صاروا يقبضون على كل من له علاقة بمن يجاهد، ولو أن يكون زميله فى العمل، ثم صاروا يعتقلون كثيرا ممن ليس له تهمة، إلا تهما سخيفة نستحى من ذكرها، كنية الجهاد، ونية الدعم للجهاد، أو حتى اعتقال تحفظى.

ارتفعت أعداد المعتقلين كثيرا، حتى إنك قد لا ترى بيتا إلا فى أهله معتقل أو قريب له، فصار العدد قرابة الثلاثين ألفا، فمن يدخل السجن لا يدرى متى يخرج، لا محاكمة تجرى له ولا شرع يعرض عليه، وإن حوكم وانقضت محكوميته فلا يخرج، وهذا حال الأغلب من المعتقلين السياسيين. والأدهى والأمر أن طريقة الاعتقال هى باختطاف الشخص بدون سابق إنذار له أو لأهله، فإذا اختفى إنسان صالح متدين فى السعودية فالأصل أنه معتقل.

إذا دخل الشخص فى غياهب السجون، فإن أخباره تنقطع ويجهل حاله لأشهر تمتد فى بعضها لما فوق السنة، ويبدأون فى تعذيبه لأجل الاعتراف بما لم يقترب، أو بما عمل، فالتعذيب موجود وحاصل، وذلك بالضرب بالعصى، والتعليق، وبالشتم والقذف فى الأعراض، وبالتهديد بالعرض أيضا، وبالتجويع والتسهير، وغيرها من طرقهم الخبيثة، وهذا الشخص الأسير سواء اعترف أو لم يعترف حوكم أم لم يحاكم فإنه لا يكون بين الأحياء ولا بين الأموات، فى زنزانة بعيدة كل البعد عن الجو الخارجى، فلا يعلم أهو فى ليل أو نهار، صيف أم شتاء.

لقد صبرنا وصبرنا وتحملنا وتحملنا حتى تفجرت الدماء فى قلوبنا وتفتتت أكبادنا غيضا، فتجرعنا من الهوان علقمه ومن الذل أمرّه، ثم بدأنا نشكو ونطرق الأبواب التى يقال إنها مفتوحة وهى والله ليست بمفتوحة وإنما دونها ألف حاجب وعقبة، ورفعنا البرقيات، وبذلنا جاهنا، وبحثنا عن كل طريق، فذهبا للعلماء فمن نصرنا منهم سجنوه ووبخوه، ومن خاف تركوه ــ وكثير ما هم ــ بل إن بعض من تمسح بمسوح العلم والدين اتهمنا واتهم أسرانا بالغلط وبالخروج عن الطاعة، ونحن لا ندعى الكمال أو العصمة من الغلط، لكن حاكموا المخطئ وأفرجوا عن المظلوم، فتركناهم ولجأنا لله قبلهم وبعدهم.

حين بدأنا نتحرك سلميا بتجمعات نطالب فيها بحقوقنا، قوبلنا بالسجن والضرب حتى إننا نحن النساء اعتقلنا وحوربنا وأهينت كرامتنا، وتعرضنا للحبس والتحقيق دون وجود محارمنا والله المستعان.

فكنا نبذل كل ما نستطيع من أجل حل قضية أبنائنا المعتقلين فى سجون وزارة الداخلية، فمرارة أنك تعيش ولا تعلم متى يفرج عنه، لا يحس بها إلا قلب تفطر حبا وشوقا لحبيبه.

الرسالة تثير أكثر من نقطة جديرة بالملاحظة. فهى تعبر من ناحية عن جانب من حالة «الحراك» الذى تشهده المجتمعات العربية فى الوقت الراهن. فقد كسر الجميع حاجز الخوف، وما عادوا مستعدين للاكتفاء بالصمت وتجرع مرارة الظلم واختزانها. وساعدتهم ثورة الاتصال على رفع أصواتهم وتعميمها، الأمر الذى يشير إلى أن السكوت البادى على السطح يخفى تحته تفاعلات قوية ينبغى عدم تجاهلها. من ناحية ثانية، فإن الرسالة تشير إلى تنامى مؤشرات الضغوط الأمنية التى تضاعفت منذ أعلنت الإدارة الأمريكية قبل نحو عشرات سنوات عما سمى بالحرب على الإرهاب، وكان للسعودية نصيبها الأكبر من تلك الحرب بعدما تبين أن أغلب الذين اشتركوا فى أحداث سبتمبر الشهيرة كانوا من أبنائها. ولأجل تحسين صورتها فى العالم الخارجى مورست تلك الضغوط الأمر الذى كان من ضحاياه عدد غير قليل من الأبرياء.

الملاحظة الثالثة أن ذلك الحراك ليس مقصورا على المملكة العربية السعودية وحدها، ولكن له أصداؤه المكتومة فى عدة أقطار خليجية أخرى. خصوصا أن بعضها تحول إلى دول بوليسية يعانى فيها النشطاء والمثقفون مما يعانيه نظراؤهم فى السعودية.

الملاحظة الرابعة أنه إذا كانت انتهاكات حقوق الإنسان ومصادرة الحريات العامة باتت من الأمور الشائعة فى منطقة الخليج، إلا أنها أيضا تمثل الوجه المسكوت عليه فى الإعلام العربى الذى يمثل رأس المال الخليجى أحد أهم مصادر تمويله. لذلك أزعم أن الصورة الحقيقية للأوضاع فى تلك المنطقة ترى من خلال الفيس بوك وتويتر، فى حين أن الصورة المرئية فى وسائل الإعلام الأخرى أغلبها مصطنع ومغشوش. شكرا للذين مكنوا شعوبنا من أن تلتقط أنفاسها وتبث شكاواها وتنسج أحلامها فى الفضاء الإلكترونى.